تخطى إلى المحتوى
أوت 23, 2011 / najwa

قلة سورية تتباكى على القذافي

بين آونة و أخرى و أنا استمع الى بعض المقتنعين برواية المسلحين و السلفيين و المؤامرة الكونية, و بينما أحاول ضبط أعصابي و سخطي على هذا الغياب التام للمنطق, أحاول مع ذلك تخيل طرقاً لمناقشتهم, و تخيل ما هو الشيء المطلوب كي يفتحوا أعينهم على الحقيقة و يروا أن سوريا مثلها مثل مصر و تونس و ليبيا واليمن, شعبها المقهور الأعزل ينتفض ضد دكتاتور متعجرف مدجج بالسلاح , بعد أن تاق الشعب طويلاً للانعتاق و أن يتحول السكان من حيوانات في مزرعته الخاصة يرثها أولاده, الى دولة و مواطنين..

خيل الي أنه لو أتى أحدٌ الى سوريا بأعجوبة ما رغم التعتيم و منع الصحافة و حصار المدن الثائرة, و رأى ما يحصل و شهد عليه, و يُفضل أن يكون هذا الشخص مدني عادي و ليس مسؤولاً حكومياً في أي نظام كي لا يقل أحد أنه نظام متآمر أو متحالف مع العدو المتآمر, كما أن لا يكون من دول قوية ثقيلة سياسياً لها دور بارز بالمبادرات و الدبلوماسية و الحراك الدولي في العالم, لأن أي دولة قوية ستثير اللغط و سيقول البعض عنها أنها فقط تسعى لمصلحتها و تتآمر.

و حصلت الأعجوبة! دخل صحفي سويسري الى سوريا في 20 تموز بطريقة غير قانونية, و دخل الى حماة و بقي متخفياً عن المخابرات و يقابل السكان و النشطاء ويراقب المظاهرات الحاشدة هناك في “جمهورية حماة الحرة” (كما كان يحلو للحمويون اللذين لم ينسوا روح الدعابة تسمية مدينتهم الثائرة) قبل هجوم الجيش والأمن , تلك المظاهرات اللتي وقفنا أمام صورها مشدوهين فاغرين الأفواه لا نصدق أننا نرى مظهراً يشبه ميدان التحرير, لكن في سوريا! سوريا اللتي عرفناها مملكة الصمت و الخوف و مزرعةالأسد الى الأبد”!

غايتان من سويسرا, البلد الصغير اللذي لا يوجد أي سبب للعرب بالتخوف و الشعور بالريبة منه, بلدٌ معروف عنه أنه بلد ديمقراطي عريق, وهو البلد الحيادي بامتياز, لم ينضم الى الأمم المتحدة الا مؤخراً عام 2002 و ليس عضواً في الاتحاد الأوروبي و معروف بانتهاجه سياسة حيادية في العالم تاريخياً.

خرج غايتان من سوريا في 1 آب, قبل يوم واحد من بداية الهجوم العسكري للجيش على المدينة. قدم شهادة هامة عن ما رأى في مقال هام نُشرفي جريدة لوموند, كما ظهر في مقابلة قصيرة على الجزيرة ليقدم شهادته, (و قد سبقته الى ذلك الصحفية الايرانية دوروثي بارفاز اللتي تم اعتقالها فور دخولها واللتي أيضاً شهدت على همجية المخابرات السورية في الأقبية).

أكد غايتان أن المتظاهرين سلميين, و أنه قابل نشطاء محترمين و محبوبين في المدينة عملواعلى تهدئة عائلات الشهداء و حث الجميع على التمسك بالسلمية رغم الفظاعات و الرعب أثناء دخول قوات الأمن المجرمة. شهد غايتان أيضاً على الاصرار اللذي رآه على المضي قدماً, وفاءً لكل قطرة دم سقطت في سوريا من أجل الحرية والكرامة. قدم في المقال الكثير من الشهادات المؤثرة, اللتي من المفروض أن تُوثق كجزء هام من تاريخ سوريا, سوريا الشعب, و ليس سوريا الحاكم وسوريا الاسد.

والنتيجة, ماذا حصل؟..ينتابني مزيد من السخط و الدهشة, المقتنعين برواية المؤامرة و المسلحين و جماعة منحبكلا يكبلون أنفسهم حتى عناء مطالعة شهادته و تفحص أمره لا هو و لا الصحفية الايرانية دوروثي قبله. فوراً كالاسطوانة المسجلة يرددون : مؤامرة.

هي مؤامرة كونية اذن وربما فضائية و مريخية أيضاً. فقط في سوريا يتحالف الاسلاميين المتطرفين السلفيين مع الغرب الامبريالي و تتآمر الدول الحيادية أيضاً.

اصمت و لا أعرف ما أقول, أتسأل هل هناك أي شيء أصلاً سيقنعهم؟ ربما لو استيقظوا ذات يوم فوجدوا أنفسهم في مدينة يتم اجتياحها و قصفها و مهاجمة و نهب و قتل سكانها, و ينتابهم الرعب على حياتهم من العقاب الجماعي المعتاد, هل اذاً سيكون هذا كافياً, أم لعلهم حتى عندئذٍ سيقولون ( ان نجوا بأنفسهم) أن كل سكان المدينة يستحقون ما يحصل لهم أو أنهم خسائر لا بد منها أو أن لا صوت يعلو فوق صوت المعركة؟؟

بظل حملة الاعلام السوري ضد المؤامرة الكونية و المندسين و الاسلاميين المتحالفين مع الامبرياليين الصهيونيين, تذكرت كيف أعلن الشيخ القذافي ( بنفس لهجة المسكين المظلوم ضد ظلم الغرب الامبريالي) , الجهاد على سويسرا!

ينتقم كالمراهق الأخرق بسبب توقيف ابنه هانيبال في سويسرا اثر معاملته السيئة لخدمه هناك. جهل و عجرفة عائلة القذافي حال دون أن يفهموا معنى أن سويسرا دولة ديمقراطية القانون فيها فوق الجميع و الخدم له كرامته مثل أي انسان. كما يحول جهل و تخلف المؤيدين في سوريا دون أن يفهموا أن الصحافة في سويسرا أصلاً مستقلة عن النظام هناك, لأنها سويسرا, دولة ديمقراطية حضارية, و لا تشبه مزرعة الأسد اللتي يعرفوها. و طبعاً لا يعرفوا معنى أن سويسرا أصلاً بلد ينتهج سياسة الحيادية تاريخياً و ينتمي للبلاد الحيادية. لن يعرف ذلك, على سبيل المثال, “المثقفابراهيم طالب, اللذي سبق و افتى بواجب قتل المتظاهرين في سوريا, و لعله سيقلد القذافي و يفتي بقتل غايتان و محاربة سويسرا أيضاً هذه المرة.

منذ بداية الثورات العربية والاعلام السوري يتضامن مع الطغاة العرب المساكين أمثال صالح والقذافي ضد شعوبهم الحثالة“( كما وصف أستاذالعلاقات الدولية في جامعة دمشق المتظاهرين في سوريا).

و ربما لأن القذافي هو الآخرأيضاً ارتكب جرائم ضد الانسانية, كان له حصة بارزة بهذا التضامن و التباكي. ومن القواسم المشتركة الأخرى بين النظام الليبي و السوري, تذرع الزعماءبالمطر أثناء هذه الثورات اللتي هزت العالم بأكمله! فقد خرج القذافي بالمظلة وهو يقول أن سبب عدم خروجه الى شوارع طرابلس هم سقوط المطر, و تصر قناة الدنيا السورية على أن المتظاهرين في الميدان في قلب دمشق خرجوا للاحتفال بالمطر. و مع تعاطف الاعلام السوري مع القذافي لا استغرب ظهورالمشاهيرالسوريين المرتزقة أمثال رغدة تعلن وقوفها الى جانب القذافي و بشار.

لم أفلح بتخيل ما اللذي يمكن أن يقنع من مايزال مؤيداً و مصدقاً لرواية المؤامرة الكونية من قِبل اعلام عمل على استحمار الناس و الغاء ذكائهم عبر عقود, أو على الأقل ما اللذي قد يجعل المؤيد الخائف (الغير منتفع من السلطة) صادقاً فيقول من ماذا يخاف, كي يكون هناك حواراً مجدياً بل ربما عملاً بنّاءً لمجابهة هذه المخاطر و التقدم بالبلد بدلاً من تأييد أبدي للدكتاتور. لكنني اليوم لن أفكر بهم, اليوم سأحاول تبديد سخطي بمتابعة المستقبل الجديد اللذي بدأ يلوح على الأفق لليبيا, و رؤية شباب و شيوخ و نساء يخرجون مبتهجين بالرغم من كل جراحهم وأعينهم تشع ابتسامة من نوع جديد, ابتسامة مليئة بالأمل والتفاؤل و الحياة.

مبروك يا ليبيا.

اليوم ستكون قلة قليلة في سوريا تتباكى على القذافي, وعلى وجهٍ خاص عائلة معينة مرعوبة تتابع بقلق و خوف ما يحصل من قصرها العالي في دمشق المحاط بالأسوارالمرتفعة

و بهذه اللحظة يسمعون بخوف نفس ما أسمعه أنا بتفاؤل: الليبيون من أمام القصرالمحصن يقولونسقط الطاغية“.

Add to FacebookAdd to DiggAdd to Del.icio.usAdd to StumbleuponAdd to RedditAdd to BlinklistAdd to TwitterAdd to TechnoratiAdd to Yahoo BuzzAdd to Newsvine

2 تعليقان

اكتب تعليقُا
  1. VØX / أوت 25 2011 11:34 م

    لا تحزني يا اختاه علي هؤلاء ولا تالوميهم فهم منذ لحظة ميلادهم وهم يعيشون في ظلام يبتعه ظلمات فمن الطبيعي ان لا يروا ما يدور حولهم
    لذا اخبريهم و زكريهم بأمجادهم وبالشرفاء الذين حفروا اسم سوريا في التاريخ .. سوريا بلد الرجال

    لا تياسي واعلمي ان النصر قريب بأذن الله تعالي .. ولكن لا نصر بدون اتحاد وتعاون وماخاه فيما بيننا

    الجبان الخائف هو من يستخدم العنف لكي يثبت وجوده ولكنه يعلم من داخله انه مزيف وسيسقط قريباً

    لا يوجد حاكم بدون شعب وابداً (الشعوب تبقي والحكام الي زوال)
    فالشعب هو الذي يبقي ولهذا فأن الغلبه للشعوب متي اختارت النصر حاليفاً لها

    بأذن الله النصر قريب .. لكن اتحدوا وتجمعوا علي كلمة واحدة وتمسكوا بحبل الله جميعاً ولا تفراقوا واتخدوا الله ولياً لكم فالا غالب الا هو

  2. najwa / أوت 25 2011 11:52 م

    شكراً فوكس, هو بالفعل اتحادنا و سلميتنا و تضامننا كشعب هو قوتنا, و هو دائماً قوة أي شعب. معك حق لن أيأس..لأن الحق معنا, و الانسانية معنا, و الله معنا..كما قال سلطان الأطرش..بطل الاستقلال الوطني من فرنسا..و ان لم نتحرك و حتى نحاول تحقيق أهدافنا من الكرامة و الديمقراطية , فاننا بالتأكيد لن نبلغها ..

أضف تعليق